زيارة وزير الاستثمار المصري إلى روسيا.. أهداف ونتائج وآفاق مستقبلية

كتبت: فاطمة إسماعيل
شهدت العلاقات المصرية الروسية خلال السنوات الماضية تناميًا ملحوظًا، خاصة على الصعيدين الاقتصادي والاستثماري. وفي هذا الإطار، جاءت زيارة وزير الاستثمار المصري، المهندس حسن الخطيب، إلى العاصمة الروسية موسكو في مايو 2025، لترسيخ هذه العلاقة، والمضي قدمًا في تنفيذ مشروعات استراتيجية مشتركة، وفي مقدمتها المنطقة الصناعية الروسية في محور قناة السويس.
تعد هذه الزيارة من أبرز المحطات في مسار التعاون المصري الروسي خلال عام 2025، حيث تزامنت مع انعقاد اجتماعات اللجنة المصرية الروسية المشتركة في دورتها الخامسة عشرة، التي عقدت يومي 13 و14 مايو، وشهدت لقاءات رفيعة المستوى بين مسؤولين حكوميين وممثلي قطاع الأعمال من البلدين.
أولاً: الأهداف الاستراتيجية للزيارة
1. تفعيل مشروعات التعاون المشترك
ركزت الزيارة على تحريك الملفات العالقة بين البلدين، وعلى رأسها مشروع المنطقة الصناعية الروسية، الذي تعول عليه الحكومة المصرية باعتباره أحد المحركات الأساسية لتوطين الصناعات الروسية في مصر، وزيادة الإنتاج بغرض التصدير للأسواق الإفريقية والعربية.
2. جذب الاستثمارات الروسية المباشرة
عرض الوزير على نظيره الروسي حزمة من الحوافز الاستثمارية التي تقدمها مصر للمستثمرين الأجانب، خاصة في المناطق الاقتصادية، بهدف جذب استثمارات نوعية في مجالات مثل الصناعات الثقيلة، الميكانيكا، تكنولوجيا المعلومات والطاقة.
3. زيادة التبادل التجاري
أحد الأهداف الأساسية للزيارة كان تعزيز الميزان التجاري بين البلدين، عبر فتح الأسواق الروسية أمام المنتجات المصرية الزراعية والصناعية، ورفع الحواجز الجمركية والإجرائية التي قد تعوق حركة التبادل.
4. التعاون في مجالات التكنولوجيا والتعليم
ناقش الجانبان إمكانيات التعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة، والأبحاث العلمية، وتبادل البعثات التعليمية بين الجامعات المصرية والروسية، بما يسهم في بناء قاعدة معرفية مشتركة.

ثانيًا: أبرز اللقاءات والفعاليات التي شهدتها الزيارة
1. لقاء وزير الاستثمار مع نائب وزير الصناعة والتجارة الروسي
عقد المهندس حسن الخطيب اجتماعًا موسعًا مع نائب وزير الصناعة والتجارة الروسي، رومان تشيكوشوف، حيث جرى بحث آليات تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين البلدين في مجالات الطاقة والتصنيع، وسبل التغلب على التحديات التي تواجه المشروعات المشتركة.
2. المشاركة في منتدى الأعمال المصري الروسي
شارك الوزير في فعاليات منتدى الأعمال المصري الروسي، الذي جمع أكثر من 100 شركة من الجانبين، يمثلون قطاعات متعددة تشمل الصناعات الغذائية، الأدوية، الأثاث، الطاقة، والبتروكيماويات. ألقى الوزير خلال المنتدى كلمة استعرض فيها فرص الاستثمار في مصر، مؤكدًا أن “مصر باتت نقطة ارتكاز استراتيجية للشركات الدولية الراغبة في التوسع نحو إفريقيا والعالم العربي”.
3. ورشة العمل الخاصة بالمنطقة الصناعية الروسية
أقيمت ورشة عمل متخصصة لمناقشة الترتيبات التنفيذية للمرحلة الأولى من المنطقة الصناعية الروسية بشرق بورسعيد. وشهدت الورشة تقديم عروض تفصيلية من الجانب المصري حول البنية التحتية المتاحة، وتسهيلات التراخيص، والإعفاءات الضريبية المقدمة للمستثمرين.
ثالثًا: مشروعات واتفاقيات تم التباحث بشأنها
1. المنطقة الصناعية الروسية بمحور قناة السويس
يمثل هذا المشروع حجر الأساس في التعاون الاقتصادي المصري الروسي، إذ تمتد مساحته على أكثر من 5 ملايين متر مربع، ويتوقع أن يستوعب أكثر من 100 مصنع روسي خلال خمس سنوات، بتكلفة استثمارية تتجاوز 7 مليارات دولار. وأكد الوزير خلال الزيارة أن مصر ستسرّع في تسليم الأراضي وتجهيز المرافق لتسهيل إطلاق المرحلة الأولى.
2. مشروع مجمع صناعات التعدين والطاقة
ناقش الجانبان إمكانية إنشاء مجمع صناعي مشترك في صعيد مصر، يضم مصانع لإنتاج مواد البناء والطاقة الشمسية، اعتمادًا على الخبرة الروسية في هذه المجالات، واستغلال الموارد الطبيعية المصرية.
3. التعاون في قطاع النقل السككي
عرض الجانب المصري على الجانب الروسي إمكانية توطين صناعة عربات القطارات ومكونات السكك الحديدية داخل مصر، في ظل خطة الحكومة لتطوير البنية التحتية للنقل على مستوى الجمهورية.
رابعًا: التصريحات الرسمية وردود الأفعال
أشاد الجانب الروسي، ممثلًا في وزارة الصناعة والتجارة، بأداء الاقتصاد المصري خلال السنوات الأخيرة، وبتحسن بيئة الاستثمار. وأكد نائب وزير الصناعة الروسي أن بلاده “تعتبر مصر شريكًا استراتيجيًا طويل الأمد في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا”.
من جانبه، صرح وزير الاستثمار المصري بأن “المرحلة القادمة ستشهد نقلة نوعية في العلاقات الاستثمارية بين البلدين”، مؤكدًا حرص القيادة السياسية في مصر على دعم التعاون الثنائي في كل المجالات، خاصة مع الدول التي تجمعها مصالح اقتصادية مشتركة.
خامسًا: التحديات التي تواجه الشراكة الاقتصادية المصرية الروسية
رغم الأجواء الإيجابية التي أحاطت بالزيارة، إلا أن هناك مجموعة من التحديات التي ما تزال قائمة، منها:
-
العقوبات الدولية المفروضة على روسيا والتي قد تؤثر على التحويلات المالية وتوريد المعدات.
-
صعوبة النقل البحري والبري بين البلدين في ظل الأحداث الجيوسياسية العالمية.
-
الحاجة إلى تطوير أنظمة الجمارك والمواصفات لتسهيل دخول المنتجات المصرية إلى السوق الروسي.
سادسًا: الآفاق المستقبلية للتعاون الاقتصادي
1. زيادة الاستثمارات الروسية في مصر
تتوقع الحكومة المصرية أن تتضاعف الاستثمارات الروسية في مصر خلال السنوات الثلاث المقبلة، لتصل إلى نحو 10 مليارات دولار، خاصة في قطاعات الصناعة والتكنولوجيا والطاقة.
2. توقيع اتفاقية تجارة حرة
تسعى مصر من خلال تحالفاتها الإقليمية والدولية إلى توقيع اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوراسي، الذي يضم روسيا ودولًا مثل كازاخستان وأرمينيا وبيلاروسيا، وهو ما سيمنح المنتجات المصرية ميزات تنافسية ضخمة.
3. توسيع التعاون في الزراعة والدواء
يجري التباحث حول استثمارات روسية محتملة في إنشاء مجمعات زراعية في دلتا مصر وسيناء، وكذلك إقامة خطوط إنتاج للأدوية والمستلزمات الطبية الروسية داخل السوق المصري.
تُعد زيارة وزير الاستثمار المصري إلى روسيا في مايو 2025 تجسيدًا للسياسة المصرية الجديدة القائمة على تنويع الشركاء الاقتصاديين، والاستفادة من الفرص العالمية لتحقيق التنمية المستدامة. وإذا ما توافرت الإرادة السياسية من الجانبين، فإن مصر وروسيا أمام فرصة حقيقية لتأسيس شراكة استراتيجية اقتصادية متكاملة، تعود بالنفع المتبادل، وتُرسخ لمعادلة “استثمار مقابل استقرار ونمو”.
- للمزيد : تابع العاصمة والناس، وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك وتويتر .