العالم

كيف عاشت إسبانيا والبرتغال يومًا كاملًا في ظلام الحياة البدائية؟

في مشهد أقرب إلى أفلام ما بعد الكارثة، استيقظ ملايين المواطنين في إسبانيا والبرتغال، وجنوب فرنسا، صباح يوم الإثنين، على حياة خالية تمامًا من الكهرباء والطاقة. لم تكن مجرّد ساعة أو عطل فني محدود، بل أزمة شاملة استمرت عشر ساعات، عطّلت خلالها جميع مظاهر الحياة الحديثة، وأجبرت سكان شبه الجزيرة الأيبيرية على التكيّف مع واقع بدائي فجائي، فانهارت التكنولوجيا، وتوقفت الاتصالات، وعادت الشموع ومصابيح الكيروسين إلى الواجهة.

المواصلات تتوقف.. والطرقات تختنق

مع بداية الأزمة، انهارت حركة المواصلات العامة في مدريد، ولشبونة، وبرشلونة، ومدن أخرى. القطارات توقفت، المترو تعطل، ومحطات الوقود أغلقت أبوابها، سواء لتوقف الإمداد أو بسبب عدم قدرة المضخات على العمل.

في العاصمة البرتغالية لشبونة، بدا المشهد سرياليًا؛ ازدحام خانق، آلاف الأشخاص عالقون دون وسيلة انتقال، وآخرون عرضوا مبالغ مالية تصل إلى 30 يورو فقط ليتمكنوا من اللحاق بأعمالهم أو منازلهم.
وفي مدينة قرطبة الإسبانية، افترش المسافرون الأرض بمحطة القطار، بعد إعلان توقف الرحلات حتى صباح الثلاثاء، لتحل العتمة محل الحركة.

إشارات المرور تتوقف.. وحوادث تُخشى في كل زاوية

توقفت إشارات المرور بشكل كامل، ووجد السائقون أنفسهم وسط تقاطعات خطيرة دون أي تنظيم مروري. الشرطة حاولت التدخل لتنظيم الطرق يدويًا، لكن حجم الأزمة تجاوز الإمكانيات في بعض المناطق. في مدريد، تحوّلت بعض الشوارع إلى نقاط شلل مروري حاد، وسط تذمّر المواطنين ومحاولاتهم للبحث عن بدائل دون جدوى.

عرض بعض المواطنين مبالغ مالية كبيرة تصل إلى 30 يورو لمن يقلهم من الشارع

مطاعم مغلقة.. وطهي على الفحم

بسبب انقطاع التيار، أغلقت معظم المطاعم والمقاهي أبوابها، إذ توقفت الأفران، والمعدات الكهربائية، وأجهزة الدفع الإلكتروني. لجأ بعض المواطنين في الشوارع والساحات إلى الشواء على الفحم أو الحطب، خاصة ممن تمكّنوا من الحصول على أسماك أو لحوم.

وفي مشهد لافت، كانت مطاعم الأسماك في لشبونة من بين القلائل القادرين على مواصلة العمل، لاستخدامهم الفحم في الطهي بدل الكهرباء، وهو ما جعلها قبلة الجائعين.

مواطنون قرروا النوم وقضاء الليلة على الأرض في محطة قطارات قرطبة، ليل الإثنين، بعد الإعلان عن عدم تشغيل القطارات قبل صباح الثلاثاء.

التكنولوجيا تنهار.. والناس يعودون إلى “ما قبل الهواتف”

مع نفاد بطاريات الهواتف وانقطاع الشبكات والإنترنت، عاد الناس إلى زمن ما قبل التكنولوجيا. لا رسائل، لا اتصالات، لا تطبيقات ملاحة أو خدمات رقمية.

شاهد الناس أنفسهم فجأة أمام فراغ كبير، ليعودوا إلى أساليب الترفيه القديمة. جلسات لعب الورق، روايات ورقية، وأحاديث وجهًا لوجه. إحدى الصور المتداولة أظهرت فتيات يجلسن في إحدى حانات مدريد، يضحكن ويتسامرن بعيدًا عن شاشات الهواتف.

عامل في أحد المطاعم يشوي السمك

المتاجر تفرغ.. والبطاريات تُباع كما الذهب

مع استمرار الانقطاع حتى المساء، بدأ المواطنون يتوافدون بكثافة على المتاجر بحثًا عن أي وسيلة إنارة، من البطاريات إلى الشموع والكشافات.

أُفرغت الأرفف، وسُجلت مشاهد هلع جماعي في بعض المناطق، خوفًا من تمدد الأزمة إلى اليوم التالي. إحدى الصور أظهرت سيدة تفتّش بين الرفوف عن بطاريات تناسب كشافها المحمول، بينما أغلقت بعض المحلات بعد نفاد مخزونها.

متطوع من الصليب الأحمر يوزع الماء على المنتظرين في محطة قطار خواكين سورولا، في فالنسيا، في 28 أبريل/نيسان 2025، بعد انقطاعٍ شامل للتيار الكهربائي شمل شبه الجزيرة الأيبيرية وجنوب فرنسا.

المصارف تتعطل.. وطوابير نقدية طويلة

البنوك أيضًا تأثرت بشدة، فقد توقفت أنظمة الدفع الإلكتروني وأجهزة السحب الآلي (ATM). في لشبونة، اصطف المواطنون في طوابير طويلة أمام البنوك للحصول على نقود نقدية، في ظل عدم القدرة على الدفع إلكترونيًا في المتاجر أو المطاعم القليلة التي فتحت.

فتيات إسبانيات تلعبن الورق في إحدى الحانات

انتشار أمني واسع.. ومخاوف من الانفلات

ومع دخول ساعات المساء، ومع تكدّس آلاف المواطنين في الطرقات ومحطات القطارات والمناطق العامة، بدأت قوات الشرطة في البلدين الانتشار الواسع لحماية الممتلكات ومواجهة أي انفلات محتمل.
السلطات طالبت المواطنين بالهدوء، مؤكدة أن الفرق الفنية تعمل على حل الأزمة بأسرع وقت ممكن.

سيدة تبحث عن بطاريات في أحدة المتاجر في مدريد

عودة تدريجية للكهرباء.. لكن الأزمة لم تنتهِ بالكامل

أعلنت الحكومتان الإسبانية والبرتغالية مساء الإثنين، بدء عودة التيار الكهربائي تدريجيًا بعد انقطاع دام حوالي 10 ساعات. لكنّ بعض المناطق الريفية والنائية ما تزال تعاني من العتمة حتى صباح الثلاثاء.

مواطنون يصطفون أمام أحد البنوك في البرتغال

من الحياة الذكية إلى الحياة البدائية.. درس قاسٍ

الأزمة كانت بمثابة إنذار واضح لحجم الاعتماد المطلق على الكهرباء والتكنولوجيا. في ظرف ساعات، تلاشت كل ملامح الحياة الذكية، وعاد الإنسان للبحث عن “الفحم” و”الشموع” وألعاب الورق.

يوم واحد فقط، لكنه كشف هشاشة المجتمعات الحديثة أمام أزمات البنية التحتية، وأثبت أن العودة إلى الحياة البدائية ليست سيناريو مستحيلًا.


اكتشاف المزيد من العاصمة والناس

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
مرحبا 👋
كيف يمكنا مساعدتك?