العالم

رامي الشاعر : مرحلة شديدة الحساسية لمصير العالم بيد ترامب وبوتين

في مقال هام نشره موقع “روسيا اليوم” الرسمي، يسلط الكاتب رامي الشاعر الضوء على مسار التوافقات المستقبلية بين روسيا والولايات المتحدة، ويستعرض تأثيراتها على منطقتنا وكيفية انعكاسها في الساحة الدولية.
اختتم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف يوم أمس اجتماعا استمر 4 ساعات ونصف الساعة في مكتب الرئيس بمبنى المكتبة الرئاسية في بطرسبورغ.
وكان ستيف ويتكوف قد وصل يوم أمس الجمعة إلى روسيا، عقب محادثات روسية أمريكية في إسطنبول، ضمن رحلاته المكوكية التي تهدف لحلحة الصراع الأوكراني سعيا للتوصل إلى أرضية تفاوض مناسبة للطرفين. لا زالت الهوة واسعة بين موقف الرئيس الأوكراني منتهي الصلاحية والشرعية فلاديمير زيلينسكي، الذي لا يكره بوتين فحسب، وإنما يكره “كل الروس” على حد تعبيره، وبين الموقف الروسي الذي يرى الشعب الأوكراني الشقيق رهينة تحت رحمة عصابة نازية في كييف، تستحل دمه، وتبيعه في سوق النخاسة. ولا زالت الهوة واسعة بين أوهام حدود عام 1991، وبين الواقع على الأرض حيث يتقدم الجيش الروسي بكفاءة على طول جبهة القتال الممتدة على ألفي كيلومتر.
ما يبدو من التصريحات الإعلامية أن ترامب تراجع عما أعلن عنه سابقا بصدد الأخذ في الاعتبار الوضع على الأرض كأساس للاتفاق على تسوية الصراع الأوكراني، وحدد ما يسميه “مدة للتوصل إلى اتفاق بين روسيا وأوكرانيا لوقف القتال”، وهو تصريح يعطي انطباع عن تراجع ترامب عن التركيز في السعي إلى إنهاء الأزمة الأوكرانية من خلال المباحثات مع روسيا.
من الواضح أن تراجع ترامب ناتج عن ضغوطات يتعرض لها من بعض زعماء الدول الغربية الذين تورطوا بشكل معقد وعميق في صراعهم مع روسيا بالوكالة، والتسبب بهذا العدد الكبير من الضحايا التي أشار إليها ترامب. تراجع ترامب كذلك عن الرسوم الجمركية التي فرضها 2 أبريل الجاري، وعلّقها لمدة 90 يوما، باستثناء الرسوم الجمركية على البضائع والسلع الصينية، التي زادت، وقامت الصين بإجراء مماثل، في إشارة لبدء حرب تجارية عويصة بين أكبر اقتصادين على مستوى العالم.
نتفهم اليوم أن كل الشعارات التي أطلقها ترامب سواء في حملته الانتخابية أو خلال المئة يوم الأولى من حكمه ذهبت أدراج الرياح، وتعجز الإدارة الحالية عن إنجاز كل الأحلام الوردية، التي بدأت بـ “إنهاء الأزمة الأوكرانية في 24 ساعة”. فكل هذه الأمور المعقدة والمتشابكة تحتاج إلى وقت ومفاوضات، والتفاوض مع روسيا على ما هو واقع على أرض المعركة بعد اقتراب العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا من نهايتها وتحقيقها أهدافها هو أمر مستحيل، لا سيما بعد أن ثبت بالدليل القاطع تورط الولايات المتحدة وبريطانيا في التخطيط للعمليات الأوكرانية ضد روسيا منذ بداية الصراع، وهو ما اعترف به القائد العام السابق للجيش الأوكراني، والسفير الحالي لدى لندن فاليري زالوجني في تقرير نشرته “نيويورك تايمز”.
لقد نجحت روسيا في تطهير مقاطعة كورسك من المخربين والإرهابيين من المرتزقة والجنود الأوكرانيين الذين اعتدوا على سيادة الأرض الروسية، وسيتم تطهير بقية الأراضي الروسية تاريخيا من أي تواجد أجنبي، وستتعامل روسيا مع الاعتداءات شبه اليومية ضد المنشآت الروسية بما يناسب العمليات الإرهابية. ويجب على ترامب وحلفائه وأتباعه أن يدركوا أن أيام الدولة الأوكرانية أصبحت معدودة، وأن من مصلحة الغرب الإسراع بالحصول على تسوية لحفظ ماء الوجه، لا لأوكرانيا، بل للغرب بأسره.
لقد صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الجمعة، عقب اجتماعه مع مجلس وزراء رابطة الدول المستقلة في ألماتا بكازاخستان، بأن العودة لحدود عام 1991 أصبحت مستحيلة، وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أصبحت تعي هذه الحقيقة على نحو مسؤول، في خضم بحثها عن الأسباب الجذرية للأزمة الأوكرانية ومحاولة التعامل معها.
لا شك أن تحسن العلاقات الثنائية بين روسيا والولايات المتحدة أمر ضروري وملح لجميع بلدان العالم، لأن القضية أبعد بكثير من مجرد علاقات ثنائية، وتطال ملفات كثيرة إقليمية ودولية عالقة، في مرحلة حساسة يمر بها عالمنا، ويمكن أن يتم انتزاع فتيل الأزمة والتوتر وإعادة عجلة الاقتصاد واستئناف مباحثات واتفاقيات الحد من الأسلحة الاستراتيجية الهجومية بعيدة ومتوسطة المدى، لكن ذلك لن يحدث إلا بالتوافق بين موسكو وواشنطن، ووضع خارطة طريق لتطبيع العلاقات بينهما، ويجب أن تظل أوكرانيا في هذا السياق بنداً على جدول الأعمال لا قائمة منفردة بذاتها.
وسيسهم التوافق الروسي الأمريكي، حال حدوثه، في حل الملف النووي الإيراني، وفي تسوية الوضع السوري ورفع العقوبات عن سوريا، وفي قضية الشرق الأوسط والعالم الأولى، القضية الفلسطينية، وغيرها من القضايا. لذا يجب أن نسعى، دون هرولة، في هذه المرحلة الدقيقة إلى الاهتمام بكل عوامل التحسن والتقارب والابتعاد عما يعرقل عملية التقارب بين روسيا والولايات المتحدة.
أنصح ألا نهتم كثيرا بالماضي، وأن يتخلص الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، من عقدة الاتحاد السوفيتي/روسيا، حتى لا يلقي ذلك بظلاله على الحاضر والمستقبل، وبينما نمر بنقطة تحول تاريخية من نظام عالمي يعتمد على الهيمنة القطبية، إلى نظام متعدد القطبية، يجب الآن وهنا الاستفادة من دروس الحرب العالمية الأولى، والتي أفضت في نهاية المطاف إلى الحرب العالمية الثانية.
ولن يتحقق المستقبل المشرق أبدا طالما كانت أوهام “إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا”، أو “تركيع موسكو”، أو “تدمير الاقتصاد الروسي” حاضرة في الذهن الغربي. لا بد أن يتفهم زعماء الاتحاد الأوروبي و”الناتو” أنه من المستحيل تحدي الولايات المتحدة أو روسيا، ولا بد أن تعترف النخب الأوروبية بتذرعها المتعمد والمزيف والكاذب بسردية أن “روسيا لن تكتفي بأوكرانيا”، وأن “روسيا تمثل الخطر الاستراتيجي الأكبر أمام أوروبا”، والجميع يعلم تماما، وقد أعلنت موسكو مرارا وتكرارا ذلك، أن روسيا لا ترغب، ولا يوجد منطق أو عقل أو مصلحة لها في العدوان على أوروبا. بل كانت الأخيرة هي من بدأ بالتمدد شرقا نحو حدود روسيا، حتى وصلت لأوكرانيا، وهو السبب الأساسي للعملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا.
يجب أن تهبط النخب الأوروبية من برجها العاجي المنعزل، وتنخرط في الواقع الأليم الذي أسفرت عنه مغامرات الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
وبينما نستمع اليوم إلى طبول الحرب الأوروبية، يجب ألا تنساق إدارة ترامب إلى الضغوط الأوروبية، وأن تسعى لفهم الأسباب الجذرية للصراع الأوكراني، ويجب أن تدرك إدارة ترامب أن زيلينسكي بكراهيته لكل ما هو روسي لا بد وأن يضطر في نهاية المطاف إلى قبول عودة الأراضي الروسية تاريخيا إلى وطنها الأم.
فلا يحق ولا يصح لمن يتحدث عن شعبه ويصفهم “بالمخلوقات”، ويطرد بعضهم لمجرد أنه يعتز بثقافته ولغته، لا يحق له أن يمارس سلطته عليهم، ولا ينبغي ويستحيل أن تترك روسيا مواطنيها وأبناء ثقافتها للعودة إلى الجحيم الذي عاش فيه سكان دونباس والقرم بعد انقلاب عام 2014 في كييف.
إن التقارب الروسي الأمريكي هو استثمار ناجح ومفيد ليس فقط لتسوية الأزمة الأوكرانية وحل القضايا الإقليمية، ولكن أيضا من أجل السلام والأمن الدوليين، ومن أجل إرساء دعائم عالم جديد متعدد الأقطاب يسوده العدل والحرية والمساواة والإخاء.


اكتشاف المزيد من العاصمة والناس

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
مرحبا 👋
كيف يمكنا مساعدتك?