فن وثقافة

دراما رمضان.. لماذا أحببنا ليالي الحلمية؟

القاهرة: العاصمة والناس    

“منين بيجي الشجن.. من اختلاف الزمن… ومنين بيجي الهوى.. من ائتلاف الهوى…” بهذه الكلمات العذبة، التي باتت محفورة في وجدان المشاهد العربي، بدأ اللقاء مع ليالي الحلمية، الأيقونة الدرامية التي تجاوزت حدود الشاشة، لتصبح مرآة تعكس تحولات المجتمع المصري على مدار عقود.

برع الكاتب أسامة أنور عكاشة والمخرج إسماعيل عبد الحافظ في صياغة ملحمة درامية متكاملة، لم تقتصر على حبكة متشعبة وأحداث مشوقة، بل امتدت لتوثيق التحولات السياسية والاجتماعية التي مرت بها مصر، من حقبة الباشوات إلى زمن التحولات الطبقية في حي الحلمية.

جاء النص العميق، المليء بالحكمة والمواقف الإنسانية، ليعكس نبض المجتمع، بينما أضفى الإخراج الواقعي بُعدًا حيًا جعل المشاهد يشعر وكأنه جزء من الأحداث. ولم تكتمل هذه التجربة إلا بالموسيقى التصويرية المؤثرة من إبداع يحيى الموجي، وكلمات “تتر” سيد حجاب، وألحان ميشيل المصري، التي عززت ارتباط الجمهور بالعمل. وساهم أداء محمد الحلو لأغنية التتر في ترسيخ المسلسل كإحدى أعظم أيقونات الدراما المصرية

انطلق المسلسل في أواخر الثمانينيات، لتتوالى أجزاؤه حتى بلغ ستة أجزاء، حملت خمسة منها بصمة أسامة أنور عكاشة، قبل أن يعود بجزء سادس عام 2016، لكنه لم يحقق نفس الصدى الذي صنعه العمل الأصلي. وقد عُرض الجزء الأول خارج السباق الرمضاني في ذلك الوقت، بينما جاءت الأجزاء اللاحقة ضمن موسم رمضان، ما زاد من ارتباط الجمهور به.

شارك في البطولة كوكبة من النجوم، أبرزهم يحيى الفخراني، صلاح السعدني، هدى سلطان، حسن يوسف، أحمد مظهر، صفية العمري، دلال عبد العزيز، سهير المرشدي، سيد عبد الكريم، فردوس عبد الحميد، وغيرهم من الأسماء التي صنعت بصمة لا تُنسى في الدراما المصرية.

مع كونه ليالي الحلمية مسلسلًا اجتماعيًا، فإنه قدّم صورة بانورامية للتحولات السياسية والاجتماعية في مصر على مدار ستة عقود، منذ الاحتلال الإنجليزي وحتى التسعينيات. ويرتكز العمل على الصراع بين عائلتي البدري وغانم، حيث يسعى سليمان غانم (صلاح السعدني) للانتقام لوالده الذي سُلبت أرضه، ليبدأ صراع طويل يجسد التحولات الطبقية والسياسية في المجتمع
أبدع نجوم المسلسل في تقديم شخصيات خالدة، حيث جسد يحيى الفخراني شخصية سليم البدري، رجل الأعمال الأرستقراطي، بينما قدم صلاح السعدني دور سليمان غانم، الفلاح البسيط الذي أصبح رمزًا في الحلمية. أما صفية العمري، فتألقت في دور نازك السلحدار، المرأة القوية ذات النفوذ، فيما لعب هشام سليم دور علي البدري، الشاب الحائر بين ماضي عائلته ومستقبله، إلى جانب شخصيات أخرى أثّرت في وجدان المشاهدين.

ما جعل المسلسل متفردًا هو واقعية الشخصيات، حيث حملت أبعادًا نفسية وإنسانية جعلت الجمهور يشعر بأنها شخصيات حقيقية من محيطه. كما أبدع المخرج إسماعيل عبد الحافظ في تجسيد روح الحارات المصرية وصراعات الطبقات الاجتماعية بأسلوب درامي محكم.

في أحد اللقاءات التلفزيونية، كشف الفنان صلاح السعدني أن شخصية العمدة سليمان غانم لم تكن مجرد دور عمدة في قرية، بل امتدت لتصبح رمزًا واسع التأثير، مستلهمًا الأداء من جده الشيخ معوض، مما أضفى عليها واقعية كبيرة. وأوضح أنه خلال تصوير الجزأين الثالث والرابع، وصل إلى مرحلة من التقمص التام، لدرجة أنه كان يرتدي الجلباب والعِمّة حتى خارج التصوير، ما جعله يشعر بأن الشخصية أصبحت جزءًا من حياته.

علي الرغم  النجاح الكبير لشخصية العمدة، فإن الدور لم يكن مخصصًا له في البداية، فقد كان سعيد صالح هو المرشح الأول، لكنه اعتذر بسبب التزاماته المسرحية. أما دور سليم البدري، فقد عُرض في البداية على محمود ياسين، الذي اعتذر، ليُعرض بعد ذلك على محمود عبد العزيز، لكنه رفض أيضًا، قبل أن يستقر الدور أخيرًا مع يحيى الفخراني.

الطريف  أن الأدوار كانت ستُوزع بشكل مختلف تمامًا، حيث كان يحيى الفخراني مرشحًا لدور العمدة سليمان غانم، فيما كان صلاح السعدني سيجسد سليم البدري، إلا أن الفخراني اختار دور الباشا، ليخرج العمل في صورته النهائية التي جعلته واحدًا من أروع الإنتاجات الدرامية.

تحوّل ليالي الحلمية إلى ملحمة درامية خالدة، عكست نبض الشارع المصري ووثّقت تحولات المجتمع على مدار عقود. فمنذ عرضه الأول وحتى الجزء الخامس، أصبح واحدًا من أبرز المسلسلات الرمضانية التي انتظرها الجمهور بشغف، لما حمله من شخصيات حقيقية وقصص نابضة بالحياة.

مع  أن الجزء السادس، الذي قُدم عام 2016، لم يحقق النجاح المنتظر، فإن الأجزاء الخمسة الأولى ستظل محفورة في ذاكرة الدراما المصرية، باعتبارها واحدة من أعظم الأعمال التي جسّدت تاريخ مصر بطريقة غير مسبوقة.

قد أكدت ذلك الفنانة صفية العمري، التي صرّحت بندمها على المشاركة في الجزء السادس، قائلة: “ضيّعت كل تاريخ ليالي الحلمية بمشاركتي في الجزء السادس… كنت رافضة، لكنني تورطت، وبعد العمل شعرت أنه لا يشبه ليالي الحلمية التي أحببناها.”

مع ذلك، ستظل ليالي الحلمية أجمل ليالينا، وأيقونة الدراما المصرية التي حفرت مكانها في قلوب المشاهدين، كواحدة من أبرز المحطات في تاريخ الدراما العربية.


اكتشاف المزيد من العاصمة والناس

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى