مقالات

د. أروى محمد الشاعر تكتب: “عودة الحرب إلى غزة: وحشية آلة الاحتلال وخداعها التاريخي”

 

لم تكن الحرب التي اشتعلت من جديد في غزة سوى حلقة أخرى من مسلسل القتل والدمار الذي تمارسه آلة الاحتلال الصهيوني منذ عقود، مدفوعة بسياسة إجرامية لا تعرف حدودًا أخلاقية أو قانونية. هذه الحرب ليست سوى استمرار لنهج الاحتلال القائم على الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني، وهي تذكير آخر بأن هذا الكيان لم يكن يومًا ملتزمًا بأي اتفاق أو معاهدة، بل كان ولا يزال مثالًا حيًا على الغدر والخداع السياسي.

منذ نشأته على أرض فلسطين المحتلة، اعتمد الكيان الصهيوني سياسة قائمة على التلاعب والخداع، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري. فمنذ وعد بلفور وحتى اتفاقيات أوسلو، أثبتت “إسرائيل” أنها لا تلتزم بأي تعهد، بل تستخدم الاتفاقيات كوسيلة لكسب الوقت وتثبيت أقدامها في الأراضي المحتلة. تاريخيًا، لم يكن السلام يومًا جزءًا من أجندة هذا الكيان، بل كان دائمًا يعتمد على الحروب والتوسع عبر القتل والتهجير القسري. وعلى الرغم من الوعود المتكررة التي قدمتها القوى الداعمة له، وعلى رأسها الولايات المتحدة، فإن كل اتفاق يُبرم سرعان ما يُنتهك، ولا يكون الهدف منه سوى تهيئة الظروف لجولة جديدة من العدوان. ما يحدث اليوم في غزة هو دليل آخر على ذلك، حيث لم يمضِ وقت طويل على وعود التهدئة حتى عاد الاحتلال ليقصف المدنيين العزل بلا رحمة.

لم يكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سوى أداة أخرى في يد اللوبي الصهيوني، الذي وجه سياساته لخدمة المشروع الإسرائيلي بالكامل. فبعدما خدع شعبه وأوهمه بأنه سيوقف الحروب، استمر في تقديم الدعم غير المشروط لـ”إسرائيل”، بل ساعدها في تسريع عملية التوسع والاستيطان والتطهير العرقي. ادعاؤه بأنه سيساهم في إيقاف الحرب في أوكرانيا لم يكن سوى دعاية سياسية، الهدف الحقيقي منها كان إبعاد الأنظار عن المخطط الصهيوني لاستكمال عملية إبادة الشعب الفلسطيني دون عوائق.

إن تورط الإدارات الأمريكية المتعاقبة في دعم “إسرائيل” ليس أمرًا جديدًا، ولكنه أصبح أكثر وضوحًا في السنوات الأخيرة، خاصة مع سياسة ترامب التي عززت جرائم الاحتلال من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة له، ودعمه لعمليات القتل الممنهج في غزة والضفة الغربية.

” فضيحة إبستين وابتزاز صناع القرار الأمريكي “

تُعتبر فضيحة جيفري إبستين واحدة من أكبر الفضائح التي هزت الأوساط السياسية في الولايات المتحدة، حيث كشفت عن شبكة واسعة من الاستغلال الجنسي تورط فيها العديد من الشخصيات البارزة، بما في ذلك سياسيون ورجال أعمال ومشاهير. الأدهى من ذلك، أن هناك اتهامات تشير إلى تورط جهاز الموساد الإسرائيلي في هذه الفضيحة، بهدف جمع معلومات حساسة واستخدامها كوسيلة لابتزاز هؤلاء الشخصيات، لضمان تنفيذهم للأجندة الصهيونية دون معارضة.

وفقًا لتقارير إعلامية، فإن إبستين كان على علاقة بشخصيات سياسية رفيعة المستوى، من بينهم الرئيسان الأمريكيان السابقان بيل كلينتون ودونالد ترامب، بالإضافة إلى الأمير أندرو من بريطانيا. هذه العلاقات المشبوهة أثارت تساؤلات حول إمكانية استخدام الموساد لهذه الفضيحة كوسيلة للضغط على صناع القرار الأمريكيين، لضمان استمرار الدعم غير المشروط لـ”إسرائيل” وسياساتها العدوانية.

” دور الإيباك في تمويل السياسيين الأمريكيين “

بالإضافة إلى وسائل الابتزاز، يلعب اللوبي الصهيوني دورًا محوريًا في التأثير على السياسة الأمريكية من خلال التمويل المالي للسياسيين عبر منظمة الإيباك (AIPAC). تُعتبر الإيباك واحدة من أقوى جماعات الضغط في الولايات المتحدة، حيث تعمل على ضمان دعم أمريكي متواصل لـ”إسرائيل”. تقوم الإيباك بتقديم تبرعات سخية للمرشحين السياسيين الذين يدعمون سياسات “إسرائيل”، مما يضمن ولاءهم وتأييدهم المستمر للاحتلال وسياساته.

تشير التقارير إلى أن الإيباك أنفقت ملايين الدولارات في دعم حملات انتخابية لسياسيين أمريكيين، بهدف ضمان تمرير سياسات تخدم المصالح الإسرائيلية. هذا التمويل السخي يجعل من الصعب على أي سياسي أمريكي اتخاذ موقف معارض لـ”إسرائيل”، خوفًا من فقدان الدعم المالي والسياسي الذي توفره الإيباك.

من بين التكتيكات التي استخدمتها الإدارة الأمريكية لترهيب أي صوت معارض كان اعتقال الطالب الفلسطيني من جامعة كولومبيا، في محاولة بائسة لإخافة الشارع الأمريكي وردع الأصوات التي بدأت تفضح الدور الصهيوني في التحكم بالسياسات الأمريكية. إلا أن هذه المحاولات لن تفلح، فقد أصبح الجيل الجديد أكثر وعيًا بحقيقة من يدير أمريكا ومن يتحكم بسياساتها الخارجية.

الطلاب في الجامعات الأمريكية، وشرائح واسعة من المجتمع الأمريكي، بدأوا يدركون أن بلادهم ليست حرة كما كانوا يظنون، بل خاضعة بالكامل للوبي الصهيوني الذي يوجه سياساتها وفق مصالح الاحتلال الإسرائيلي. وهذا الوعي المتزايد ينذر بانفجار قادم داخل الولايات المتحدة نفسها، حيث بدأت الأصوات المعارضة للسياسات الصهيونية تزداد، ليس فقط في الشارع الأمريكي، بل في مختلف أنحاء العالم.

لقد أصبحت القضية الفلسطينية اليوم رمزًا عالميًا للمقاومة في وجه الاستعمار الحديث. كلما زادت وحشية الاحتلال، كلما ازدادت شرعية المقاومة الفلسطينية، وأصبح التأييد لها يمتد من الشرق إلى الغرب. لم يعد الإعلام الغربي قادرًا على تبرير الجرائم الإسرائيلية، ولم يعد العالم يتقبل الأكاذيب التي حاولت “إسرائيل” الترويج لها لعقود.

إن مشاهد المجازر في غزة، وعمليات القتل التي لا تفرق بين طفل وامرأة، جعلت الملايين حول العالم يدركون أن القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع سياسي، بل معركة بين الحق والباطل، بين شعب يناضل من أجل حريته، واحتلال غاشم يمارس التطهير العرقي بغطاء دولي.

في النهاية، لا يمكن لأي قوة في العالم أن تقضي على عدالة القضية الفلسطينية. كل المحاولات التي تقوم بها “إسرائيل” لإبادة الشعب الفلسطيني ستفشل، كما فشلت كل مشاريع الاحتلال عبر التاريخ. الشعوب الحرة في العالم بدأت تدرك حقيقة ما يجري، والجيل الجديد في أمريكا وأوروبا لن يسكت عن الظلم، بل سيواصل انتفاضته ضد الأنظمة التي تدعم الاحتلال.

قد تحاول إسرائيل وحلفاؤها كسب الوقت، وقد تستمر في جرائمها، ولكنها في النهاية لن تستطيع القضاء على إرادة شعب بأكمله، الحق الفلسطيني ثابت والمقاومة مستمرة.


اكتشاف المزيد من العاصمة والناس

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى